إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أنْ لا إله إلا الله وأشهد أنَّ سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمدًا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه صلى الله عليه وعلى كل رسول أرسله من بعثه الله رحمة للعالمين هاديًا ومبشرًا ونذيرًا بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًا من أنبيائه. أما بعد إخوة الإيمان والإسلام فوالله إني أحبكم في الله وأتمنى لكم خيري الدنيا والآخرة وأحثكم على طاعة الله وأوصيكم ونفسي بتقوى الله.
فبالله عليك يا رفيع القدر بالتقوى *** لا تبع عزّها بذلّ المعاصي
يقول الله تعالى في القرءان العظيم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ سورة الحشر / الآية 18. إخوة الإيمان إن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم قال حديثًا ينفع من عمل به نفعًا كبيرًا وهو:"ليس الشديد من غلب الناس ولكن الشديد من غلب نفسه". الإنسان أيها الإخوة تعلو درجته عند الله بحسب صبره، والصبر ثلاثة أنواع، الصبر عن المحرمات هذا أشده، هذا أشد أنواع الصبر، والثاني الصبر على الطاعات، والثالث هو الصبر على المكاره والشدائد والمصائب. فكف النفس عن المحرمات على اختلاف أنواعها هذا أشد أنواع الصبر. وإذا وقفت أخي المسلم على معنى الصبر هو حبس النفس وقهرها على مكروه تتحمله أو لذيذ تفارقه. فاقهر نفسك أخي المسلم وامنعها من الوقوع في الحرام وخاطب نفسك قائلا:
يا نفس توبي يا نفس توبي *** فإن الموت قد حانا
واعصي الهوى *** فالهوى لا زال فتّانا
في كل يوم لنا ميت نشيعه *** وننسى بمصرعه ءاثار موتانا
يا نفس مالي وللأموال أجمعها *** وأخرج من هذه الدنيا عريانا
يا عباد الله يا عباد الله ترك معصية واحدة أفضل عند الله من عمل ألف حسنة.
فارجع بنفسك عن طريق الغفلة وادخل من باب اليقظة وتذكر قول الله تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾ سورة الزلزلة الآية7و8
ففي الآيتين الترغيب بقليل الخير وكثيره والتحذير من قليل الشر وكثيره.
وتذكر أن الحرام ما توعد الله مرتكبه بالعقاب ووعد تاركه بالثواب.
تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة المعراج رأى قوما يتنافسون على اللحم المنتن ويتركون اللحم الجيد المشرح فقال جبريل: هؤلاء أناس من أمتك يتركون الحلال فلا يطعمونه ويأتون الحرام الخبيث فيأكلونه وهم الزناة.
ورأى أناسا يشربون من الصديد الخارج من الزناة قال له جبريل هؤلاء شاربو الخمر المحرم في الدنيا. وتذكر أنك مسئول يوم القيامة عن مالك من أين اكتسبته وأين صرفته فلو اكتسبت المال من حلال فإياك وصرفه فيما حرم الله وتذكر قول الله تعالى ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ سورة الحجر الآية 92و93. يحكى أن رجلا كان يعرف بدينار العيار، وكان له والدة صالحة تعظه وهو لا يتعظ، فمرّ في بعض الأيام بمقبرة فأخذ منها عظما تفتت في يده ففكر في نفسه. وقال ويحك يا دينار كأني بك وقد صار عظمك هكذا رفاتا، والجسم ترابا فندم على تفريطه وعزم على التوبة ورفع رأسه إلى السماء لأنها قبلة الدعاء ليس لأن الله يسكن فيها، الله لا يحتاج للسماء ولا لغيرها الله موجود بلا مكان، رفع رأسه وقال إلهي وسيدي ألقيت إليك مقاليد أمري فاقبلني وارحمني ،ثم أقبل نحو أمه متغير اللون منكسر القلب فقال: يا أماه ما يصنع بالعبد الآبق إذا أخذه سيده ،قالت يخشن ملبسه ومطعمه ويغل يديه وقدميه. فقال أريد جبة من صوف وافعلي بي كما يفعل بالعبد الآبق، ففعلت به ما أراد، فكان إذا جنّ عليه الليل أخذ في البكاء الشديد ويقول لنفسه ويحك يا دينار ألك قوة على النار كيف تعرضت لغضب الجبار ولا يزال كذلك إلى الصباح، فقالت أمه يا بني ارفق بنفسك. قال دعيني أتعب قليلا لعلي أستريح طويلا يا أماه إن لي غدا موقفا طويلا بين يدى رب جليل، ولا أدري أيؤمر بي إلى ظل ظليل أو إلى شر مقيل. قالت يا بني خذ لنفسك راحة قال لست للراحة أطلب كأنك يا أماه غدا بالخلائق يساقون إلى الجنة وأنا أساق إلى النار مع أهلها. فتركته وما هو عليه فأخذ في البكاء والعبادة وقراءة القرءان فقرأ بعض الليالي ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ سورة الحجر الآية 92و93 ففكر في هذه الآية العظيمة ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ سورة الحجر الآية 92و93 وجعل يبكي حتى غشي عليه فجاءت أمه إليه فنادته فلم يجبها فقالت له يا حبيبي وقرة عيني أين الملتقى؟
فقال بصوت ضعيف: يا أماه إن لم تجديني في مواقف يوم القيامة فاسألي مالكا خازن النار عني ثم شهق شهقة فمات رحمه الله تعالى. فغسّلته أمه وجهزته وخرجت تنادي أيها الناس هلموا إلى الصلاة على قتيل النار، فجاء الناس من كل جانب فلم ير يوم أكثر جمعا ولا أغرر دمعا من ذلك اليوم فلما دفنوه نام بعض أصدقائه تلك الليلة فرآه يتبختر (يمشي) في الجنة وعليه حلة خضراء وهو يقرأ الآية ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ سورة الحجر الآية 92و93.ويقول: وعزته وجلاله سألني ورحمني وغفر لي وتجاوز عني ألا أخبروا عني أمي .
اللهم اغفر لنا وسامحنا واعف عنا واجعل القرءان ربيع قلوبنا ونورا لأبصارنا وجوارحنا يا رب العالمين. هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية: التحذير من قول بعض الناس "يلعن جنس حوا"
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، والصلاة والسلام على رسول الله محمّد وعلى كل رسول أرسله.
عباد الله أوصي نفسي وإيّاكم بتقوى الله العليّ العظيم القائل في محكم التنْزيل: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً﴾ سورة التحريم الآية 5. وقال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَاوَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ سورة التحريم الآيتان 11و12. ويقول النّبي صلّى الله عليه وسلم: "يا خديجة إنّ الله يبشّرك ببيت في الجنّة" .
فمن النّساء إخوة الإيمان من مدحهنّ القرءان الكريم كمريم وءاسية، مريم أمّ المسيح عليه السلام، وقد حدّثناكم عنها في الخطبة الماضية، وءاسية بنت مزاحم امرأة فرعون، فرعون طاغية ولكن هي كانت على الإسلام قالت: ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً﴾.
وخديجة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلم رسول الله بشّرها بقوله: "يا خديجة إنّ الله يبشّرك ببيت في الجنّة". وغيرهنّ من النّساء اللواتي كنّ على التقوى والصلاح، فلذلك نحذِّركم اليوم من قول بعض الناس بالعامّية: "يلعن جنس حوّا"، فهذه العبارة فاسدة باطلة كفريّة لأنّ فيها إطلاق لعن كلِّ ذريّة حوّاء من النّساء، وفي النّساء مَن مدحهنّ القرءان الكريم.
فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ:﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ اللّـهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ