كل ما باستمع لمحمود العسيلي الاقي وداني بتهتم وتتابع، والاقي سؤال فوري يطرحه عقلي: هو فيه ايه مختلف عنده مخلليك مهتم كدة؟؟ والحقيقة لما استمعت بتركيز اكبر لمحمود، بما في ذلك ألبومه الأخير "مين أنا؟!"، أظن اني وصلت لشوية إجابات مش بطالة!!
محمود دخل عالم الغناء بـ (إفـّيه) كبير ومميز قوي، كان أحلى ما فيه سخريته الضمنية من شكل الأغاني السايدة، فقال بكل بساطة (الدنيا مجنونة، والحب لازم). حقيقتين لا تملك إلا التعاطف معاهم ومع بساطتهم ولذاذة الشكل اللي اتقدموا بيه، واستمر بعدها محمود - اللي بيكتب ويلحن لنفسه - في الانتشار بمجموعة أغاني لقت قبول جيد عند ناس كتير..
أكتر من حاجة بتميز محمود العسيلي أولهم صوته؛ اللي زي ما بيقولوا (صوت فيه حاجة)، نوعية وخامة صوته زي الطعم (المزز)، بتحسه غريب لكن متزهقش منه!! رغم إنه كصوت مغني شرقي مش بالقوة ولا بالتمكن ده..لكن (فيه حاجة).
حاجة كمان بتميزه وهي مواضيع أغنياته وقاموس الألفاظ المختلف اللي بيستخدمه في كتابة أغنياته، بتحسها معاني وألفاظ جايالك زيارة من أيام الشقاوة والمراهقة بعبلها وجمالها وبراءتها، وبدون تزويق، وده في حد ذاته شيء يحسب له في ظل حالة الملل الغنائي القاتل الذي نعيشه..
لكن للأسف كنت كل ما ابدأ اتحمس لمحمود وتجربته، تقف قدامي شوية عقبات ماقدرتش اتجاهلها. أبرز العقبات دي هي طريقة كتابته لأغنياته؛ لإنه غالباً غير ملتزم بالأشكال المتعارف عليها في كتابة الأغنية، كمذهب وكوبليهات وخلافه واللي بتستخدم من أيام الفراعنة!!
وانا لا اعترض على التجديد، لكن محمود بيكتب بتلقائية زائدة عن الحد بحيث يكون الكلام غير موزون في احيان كثيرة، وغير سلس، مما يؤثر على اللحن اللي بيتم تلبيسه للكلام بالعافية، رغم انها بتكون ألحان فيها أفكار حلوة، والخلاصة ان محمود بيعمل أغاني ممكن تسمعها وتحبها، لكن صدقني مينفعش تحفظها وتدندنها لوحدك، مع إن البساطة وقدرة الناس على الحفظ شيء أساسي في الأغنية، ودي مشكلة كبيرة عنده!!
ألبوم (مين أنا) يحتوي على 10 أغنيات، اكتر الأغاني تماسكاً كفكرة وكلمات ولحن وتوزيع وأداء هي "تررم"، وما عدا هذا تنوعت الأغنيات ما بين أغنيات افكارها مختلفة لكن كلماتها فيها مشاكل وبالتالي اللحن عادي او غير مفهوم مثل "مُلك مدينة" و"الفستان الابيض"، أو أغاني افكارها عادية ومتداولة، وإن وجدنا هنا وهناك بعض الكلمات والتفاصيل الحميمة والمميزة، إلا أن شكل الأغنية على بعضه يظل أزمة مثل "هاشوفك"، "حكايتي معاه"
أغنية "تررم" مميزة في رأيي لأسباب عديدة، أولها موضوعها اللطيف المبتكر عن بنت اسمها "تررم" كاسم يرمز لكل البنات اللي زيها، بنت مميزة وملفتة ولذيذة بحيث أن كل الشلة بيعاكسوها باستمرار ويطلقوا عليها كل المعاني الحلوة (الحنية والحلاوة والحرية والشقاوة والطعامة واللذاذة دي كنافة دي بقلاوة) رغم انهم مش عارفين اسمها، وهي من البراءة بحيث تبصلهم وتقول (بتعملوا كدة ليه؟!)
حالة طفولية شقية وبريئة كلنا عشناها، عبّرت عنها الكلمات واللحن ببساطة، وجاء أداء محمود موفقاً، أما التوزيع الموسيقي فكان إضافة من الموزع أحمد عادل اللي مسك اللحن بإيقاع طبلة شرقي يفرح، وكوردات بيانو، ده غير الجو الشرقي في المقدمة بالعود والقانون والكمنجة، وأعتقد ده اللون اللي ممكن يميّز محمود العسيلي اكتر من غيره..
"الفستان الأبيض" بها نفس القدر من البراءة مع مراعاة اختلاف الموقف وانتقاله من المراهقة لليلة الزفاف، حالة طيبة وتثير التعاطف بلا شك، لكن جربوا تكتبوا كلمات الأغنية، هتلاقوا انكم قدام موضوع تعبير مش أغنية، ودي نفس المشكلة اللي هتقابلكم في أغنيات تانية كتير، وكون محمود بيقدر يلحن ده، فدي في حد ذاتها قدرات خاصة..
محمود العسيلي مغني له مستقبل إذا قدر انه يتوازن بعض الشيء ويفهم مواطن تميزه وضعفه ويتعامل معاهم، وألبومه "مين أنا" باسمه ده، بيطرح سؤال اكيد محمود بيبحث عن اجابته باهتمام، وأثناء بحثه قدر يمتعنا ويفرحنا بصوت مختلف وجديد