رساله الى سجود الشكر

تمهيد:الحمد لله والصلاة والسلام على النبي المصطفى محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.. فإن قلب المسلم متعلق بربه في كل أحواله؛ فإن أراد الله ان يضيق عليه أو إن أصيب بضراء لجأ لربه متبعا في ذلك سنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فعند أحمد وأبي داود ـ وحسنه الألباني ـ من حديث حذيفة: كان النبي ـ صلى الله علبه وسلم ـ اذا حزبه أمر صلى. وكذا اذا أصابته السراء توجه أول ما توجه إلى ربه ـ جل وعلا ـ فسجد له.
سجدة الشكر: هي سجدة تسجد ـ شكرا لله تعالى ـ عند تجدد نعمة او اندفاع بلية ونقمة . ولأن المسلم تحوطه نعم ربه من كل جانب فإن سجدة الشكر تشرع عند النعم الظاهرة وكذا عند صرف بلية ظاهرة. فمثلا: كون المرء يصبح معافا هذه نعمة ولا شك لكن لا يشرع عند كل صباح سجدة شكر ولكنها تشرع مثلا عندما يولد لك ولد وكذا عندما ينجو المرؤ مثلا من حادث مات فيه غيره.
حكمها: اختلف أهل العلم في حكم سجدة الشكر فذهب أحمد والشافعي واسحاق وأبو ثور وابن المنذر إلى أنها مستحبة؛ وذهب أبوحنيفة ومالك والنخعي إلى أنها مكروهة واحتجوا بأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانت تأتيه أنباء الفتوح فلا يسجد للشكر وكان يستسقي فيسقى وما كلان يسجد للشكر.
والراجح: قول من قال بأنها مشروعة ومستحبة وهو قول الجمهور وفيما يلي ذكر الأدلة التي تثبت مشروعية سجدة الشكر:
أولا: روى أصحاب السنن إلا النسائي وحسنه الألباني عن أبي بكرة قال: كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ اذا جاءه أمر سرور أو يسر به خر ساجدا شاكرا لله. وفي رواية عند أبي داود: أو بشر به.
ثانيا: في الصحيحين في حديث توبة كعب بن مالك وفيه:...فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على سلع يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر؛ فخررت ساجدا ...." الحديث.
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: وفي سجود كعب حين سمع صوت المبشر دليل ظاهر أن تلك كانت عادة الصابة ـ رضي الله عنهم ـ وهو سجود الشكر عند النعم المتجددة والنقم المندفعة.
ثالثا: عند ابن ماجه في السنن وحسنه الألباني بشواهده من حديث أنس ان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بشر بحاجة فخر ساجدا.
رابعا: عند أحمد والحاكم والبيهقي عن عبد الرحمن بن عوف قال: خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاتبعته حتى دخل نخلا فسجد فأطال السجود حتى خفت أو خشيت أن يكون الله قد توفاه أو قبضه. قال: فجئت أنظر فرفع رأسه فقال: مالك يا عبد الرحمن؟ قال: فذكرت ذلك له ، قال: فقال: إن جبريل عليه السلام قال لي: ألا أبشرك أن الله عز وجل يقول: من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه.زاد في رواية: فسجدت لله شكرا. قال الحاكم: صحيح الإسناد.
قال الألباني:" بل اسناده ضعيف... ثم وجدت له طريقا أخرى عن عبد الرحمن بن عوف عند ابن أبي شيبة بسند ضعيف فالحديث بالطريقين حسن".ا.ه. مختصرا من ارواء الغليل.
خامسا: عند أحمد في المسند عن طارق بن زياد قال: سار علي إلى النهروان فقتل الخوارج فقال: اطلبوا فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: سيجئ قوم يتكلمون بكلمة الحق لا يجاوز حلوقهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية سيماهم أو فيهم رجل أسود مخدج اليد في يده شعرات سود إن كان فيهم فقد قتلتم شر الناس وإن لم يكن فيهم فقد قتلتم خير الناس.
قال: ثم إنا وجدنا المخدج. قال: فخررنا سجودا، وخر علي ساجدا معنا.
والحديث ضعيف؛ اذ إن طارقا راوي الحديث مجهول.إلا أن الألباني ـ رحمه الله ـ ذكر الحديث في إرواء الغليل وساق له طرقا ثلاثا ثم قال: ... ولكن الحديث قوي بهذه الطرق الثلاث، والله أعلم. ا. هـ.من إرواء الغليل.
غير أن هناك أحاديث وآثار أخرى ضعيفة في سجود الشكر منها: سجود النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما شفع في أمته ثلاثا وهو عند أبي داود من حديث سعد بن أبي وقاص وفيه رجلان مجهولان: أحدهما مجهول العين والآخر مجهول الحال فالحديث ضعيف.
وكذا من الأثار الأثر الوارد في سجود أبي بكر الصديق عندما جآءه خبر قتل مسيلمة الكذاب وهو أثر رواه سعيد بن منصور واسناده ضعيف.
وبكل حال فإنه لا شك في ثبوت سجدة الشكر.وأما قول أبي حنيفة ومالك والنخعي ومن قال بكراهة سجود الشكر واحتجاجهم على ذلك بأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانت تأتيه أنباء النصر على المشركين فلا يسجد وكان يستسقي فيسقى ولا يسجد.
فالجواب أن هذه السجدة سنة والسنة إنما تفعل أحيانا وتترك أحيانا أخرى، وقد ثبت فعله ـ والحمد لله ـ فلا يحتج بتركه. ولو أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يترك هذه السجدة لكان هذا ـ لا سيما في الصلاة ـ أشبه بالواجب وليس من قائل به.
مسألة: هل يشترط الطهارة واستقبال القبلة في سجود الشكر: اختلف علم في ذلك والرجح قول من قال بأنها لا يشترط لها ذلك.
أولا: لأن سجدة الشكر ليست صلاة (على الراجح) ومن ثم فلا يشترط لها ما يشترط للصلاة من طهارة واستقبال القبلة.
ثانيا: لأن الأحاديث والأثار التي صحت في سجدة الشكر لم تشر إلى شيئ من ذلك.
ثالثا: لأن سجدة الشكر تشرع عند تجدد النعم واندفاع النقم وهذه أحوال طارئة قد يكون المسلم فيها على طهارة وقد لا يكون؛ مع أن كل الأحاديث الواردة في سجود الشكر تشعر بأن هذا السجود مشروع على الفور.
ولذا فإن الراجح ـ والله أعلم ـ قول من قال بأن سجود الشكر لا يشترط له طهارة أو استقبال قبلة.
مسألة:وهل يكبر لسجدة الشكر ويسلم في آخرها: الراجح أن كل ذلك لا يشرع لها؛ أما التكبير فلم يرد في أي من الأحاديث التي جاءت في سجود الشكر. و لأن سجدة الشكر ليست صلاة (على الراجح) كما ذكرنا فهي لا تحتاج إلى تحليل بالتسليم، ولأن التسليم كذلك لم يرد في هذه الأحاديث، ولو أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فعله أو فعله أصحابه لنقل إلينا.
مسألة: وما هي أذكار سجود الشكر:الأذكار في سجود الشكر هي الأذكار في سجود الصلاة .إلا أن بعض أهل العلم قد ذكروا جواز أن يشكر العبد ربه بعد أذكار السجود؛ وممن نص على ذلك ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ حيث قال في شرح رياض الصالحين: "وقل مثلا في السجود: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، اللهم إني أشكرك على أن نجيتني من هذه المصيبة ويذكرها، هذا سجود الشكر"ا.هـ.
مسألة: سجدة الشكر في الصلاة: إذا بشر المسلم بما يسره وهو في الصلاة فهل يشرع له أن يسجد في الصلاة؟
والجواب: أن ذلك لا يجوز إذ إنها ـ أي سجدة الشكر ـ ليست من الصلاة.
قال الصنعاني في سبل السلام: "ولا يسجد للشكر وهو في الصلاة لأن سبب السجدة ليس منها. فإن فعل بطلت صلاته إلا أن يكون ناسيا أو جاهلا بتحريم ذلك".
قلت: أما النسيان فلا شك أن صلاته تصح به لكن مع سجود السهو، أما الجهل فإنه يرفع الإثم ولكنه لا يصحح العمل وإذا تأملت حديث المسئ في صلاته وهوفي الصحيحين من حديث أبي هريرة وعند أصحاب السنن من حديث رفاعة بن رافع الزرقي؛ فستجد أن هذا المسئ كان جاهلا ومع ذلك أمره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بإعادة الصلاة، ولكنه أمره بإعادة الصلاة الحاضرة فقط.وأما زيادة سجدة الشكر في الصلاة عمدا فهذه حركات زائدة في الصلاة تبطلها.
هذا ما تيسر لي جمعه في شان سجود الشكر بحمد الله ومنه والله أعلم.

جزاكي الله كل خير

مشكوووره

الف شكر وربنا يبارك فيكى

مشكوووووووورة يا جولي

وربنا يبارك فيكي